فخ الاستهلاك- قانون لحماية المغفلين الجدد من الاحتيال

المؤلف: عبده خال10.18.2025
فخ الاستهلاك- قانون لحماية المغفلين الجدد من الاحتيال

لقد سطرتُ سابقًا مقالًا تحت عنوان "أغلبنا قابعون في المصيدة"، وهو واقع أفرزته سلوكياتنا الخاضعة للتقليد الأعمى والانصياع لما تطرحه الأسواق من سلع، سواء كانت رديئة أم بالغة الرداءة. أجل، فالمنتجات التي يتم استهلاكها باندفاع محموم غالبًا ما تكون بضائع تفتقر إلى الجودة والقيمة الحقيقية.

ما زلت أذكر أنني شاهدت مقطعًا دعائيًا لمنتج ما، ارتكزت حبكته على إيقاع المستهلك في شرك الثراء الزائف، أو الوعد بالحصول على مبالغ مالية طائلة، أو إشعال فتيل تحقيق الأحلام الوردية، أو الإيحاء بأنه سيمنحك مصباح علاء الدين السحري. جل الإعلانات التسويقية تحمل في طياتها بذور الاستغلال لحاجات الناس، وتحديدًا تلك الحاجة الملحة إلى أي منفذ يخلصهم من ضائقة الميزانية الأسرية. على الرغم من أن الغالبية تعاني من صعوبات مالية جمة، إلا أن الجميع يتهافت على الإنفاق ببذخ، حتى وإن اضطروا إلى الاقتراض. هذه المعلومة الراسخة حول شهوة الاستهلاك لدى المستهلك، دفعت الشركات إلى التحول لمقرضين يرتدون عباءة الرجل النبيل الذي يسعى لمساعدة الأفراد على تحقيق رغباتهم، بينما الحقيقة المرة هي أن تلك الجهات المقرضة ليست سوى وحوش كاسرة، وإن لم تظهر لنا بمظهر الوحوش المفترسة. وفي خضم هذا الإعصار الاستهلاكي الهائج، اختلط المحتاجون الحقيقيون بالمحتالين المخادعين، ولم يعد بالإمكان التمييز بين من يسعى إلى النصب ومن هو في أمس الحاجة، فكل منهما يبحث عن الآخر في هذه الدوامة.

أستحضر هنا أنني كتبت في إحدى المرات عن ضرورة إلغاء مبدأ "القانون لا يحمي المغفلين"، وطالبت بمنح هؤلاء المغفلين حماية قصوى؛ لأن التغرير بهم هو الهدف الأساسي لكل النصابين والمحتالين المتمرسين.

مع تفاقم درجات الاستغلال والاحتيال، وتنوع الأساليب المستخدمة، أصبح المستهدفون بهذه العمليات في خانة تستوجب الحماية الفورية، وينبغي تنزيههم عن تهمة النقص أو عدم الأهلية، أو وصفهم بالسفهاء والمجانين، أو اعتبارهم غير مدركين لعواقب الأمور بسبب صغر السن. يجب أيضًا تبرئتهم من الوقوع في فخ التدليس والغبن والجهل. بمعنى آخر، نصوص القانون الحالية كتبت في زمن لم تكن فيه كل هذه الأساليب والخدع الحديثة التي تجعل شرائح اجتماعية واسعة تقع فريسة للغفلة والجهل. لذا، يستوجب الأمر سن قوانين جديدة لحماية المغفلين الجدد الذين يتم استهدافهم من خلال الحملات الدعائية المضللة والإعلانات المالية الجذابة، والتي تبث عبر وسائل إعلامية تحظى بمصداقية وثقة الجمهور، بينما هي في حقيقة الأمر تروج لأحلام الثراء الوهمية، أو توهم المواطنين بأنها البوابة الواسعة للخروج من الأزمات المالية الطاحنة.

أرى أن عمليات الترويج الحديثة تمثل مداخل واسعة للاحتيال والنصب، وهذه العمليات بحاجة ماسة إلى قانون يُسَنُّ على وجه السرعة، قانون يبطل هذه الممارسات الخادعة، ويحمي المتضررين ويعوضهم عن الخسائر الفادحة التي تكبدوها.

ولأن عمليات النصب هذه تجري على مرأى ومسمع من الجميع، ورغم وضوحها الصارخ إلا أنها لم تثر الشكوك أو تستدعِ إظهار التضرر، فقد استفحلت وتنوعت في أساليبها المخادعة، متسترة بأغطية واقية تحميها من توصيفها بالتدليس أو الغبن، أو استغلال الجهلاء وعديمي الأهلية، أو تثبيت الإرادة، أو الإكراه أو الغلط. فكل الحالات التي تستوجب الإدانة تم التلاعب عليها ببراعة فائقة، وأصبحت ممارسة الغش والاحتيال قانونية بنسبة 100%.

ومهما تفاقم الاختلاط بين مفاهيم النصب والحاجة، فإن مظلة الاستهلاك تبقى قادرة على تضليل الجميع، ويظل المواطن المسكين عالقًا في دوامة الرغبات التي لا تنتهي "أريد هذا، وأريد ذاك". لم تعد هناك سلع يمكن الاستغناء عنها بسهولة، إذ إن عشرات السلع تحولت من مجرد كماليات إلى ضروريات لا غنى عنها. وبسبب هذه الاحتياجات المتزايدة، يقبل المواطن عن طيب خاطر بالوقوع في الفخاخ التي ينصبها المحتالون والنصابون المحترفون.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة